«كنّارة»... أوركسترا سريانيّة تعزف ألحان الفرح والرجاء في العراق

نينوى, الجمعة 2 أغسطس، 2024

كان نشاط المنظمات الإنسانيّة وخدماتها متعددة الأوجه للنازحين من قرى وبلدات سهل نينوى-العراق في خلال فترة الاحتلال الداعشيّ فرصةً لتنظيم دوراتٍ لتعليم الشباب النازحين العزف على آلاتٍ موسيقيّة عدّة. دورات طوّرت مواهبهم وصقلتها، كما ساعدتهم على تجاوز أزمة النزوح وآثارها النفسيّة المريرة. لذا يعتقد الأب دريد بَرْبَر مرشد أوركسترا كنّارة السريانيّة وقائدها أنّ «كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبّون الله».

لطالما رغب بَرْبَر، منذ سيامته كاهنًا في أبرشيّة الموصل للسريان الكاثوليك عام 2001، في دراسة الموسيقى. فقصد الكونسرفاتوار في لبنان عام 2006، وعاد بعد إتمام دراسته إلى العراق محمَّلًا بالخبرات الموسيقيّة ليواصل خدمته في أبرشيّته، إلى أن أجبرت هجمات تنظيم داعش الإرهابي واحتلاله الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى أهلها جميعًا على النزوح.

يقول بربر عبر «آسي مينا»: «ساهم خريجو دورات تعليم الموسيقى المتضمّنة عزف آلاتٍ عدّة (الفوكاليز، والتنغيم/الصولفيج، والغناء الشرقيّ، والترتيل السريانيّ) والتي أقمناها للنازحين قسرًا في عنكاوا-أربيل، في إحياء احتفالاتٍ كنسيّة عدّة هناك، فولدت لدينا فكرة تأسيس أوركسترا من هذه المواهب الشابّة والمتدرّبة».

ويحكي بَرْبَر خبرة ما بعد التحرير والعودة إلى بغديدا، إذ توجّه اهتمام الكنيسة أوّلًا إلى إعمار البيوت والكنائس، «وبعد إتمام هذه الأولويّة، أصبح بالإمكان معاودة التفكير في تأسيس أوركسترا، مستفيدين من خبرة الموسيقيّين الشباب المكتسبة في خلال فترة النزوح، ومواصلين تنظيم الدورات لتقوية هذه الخبرات وتنشيطها».

وتابع: «انطلقت أوركسترا كنّارة عام 2019 واستلهمنا اسمها من كنّارة شبعاد السومريّة الشهيرة في حضارتنا النهرينيّة، ومن كنّارَتَي داود المزمِّر ومار أفرام السريانيّ الملقّب بكنّارة الروح القدس. وواصلت تطوّرها لتضمّ اليوم 62 عضوًا ما بين عازفٍ ومرتّل».

شاركت الأوركسترا في حفلاتٍ عدّة في بغديدا ومدن عراقيّة مختلفة، كأربيل ودهوك والبصرة وبغداد. فضلًا عن حفلاتٍ في إيطاليا وهولندا ومشاركة عبر الأثير في مؤتمر موسيقيّ احتضنته جنيف. وتجتهد دائمًا لتضمّ معزوفاتها وتراتيلها الألحان السريانيّة، لا سيّما الطقسيّة منها.

ويشرح بَرْبَر بدايات الأوركسترا وتقديمها معزوفات لموسيقيّين عراقيّين ومصريّين ولبنانيّين: «ارتأينا لاحقًا تقديم مزيد من الألحان السريانيّة للحفاظ على خصوصيّة الأوركسترا وتمايزها، إذ تكاد تكون الوحيدة عالميًّا المتخصصة في إحياء التراث السرياني وتقديم موسيقاه للعالم».

تقدّم الأوركسترا مزيجًا من ألحان «القينة، والبوعوث، والتخشفياثا» وسواها من الألحان السريانيّة. ويدأب بربر على كتابة نوتاتها وتوزيعها موسيقيًّا، واجتهد شباب الأوركسترا في عزفها بأبهى صورة. كما تسعى الأوركسترا إلى تطوير نشاطها وتوسيع انتشارها عبر تصوير بعض الألحان والتراتيل السريانيّة على طريقة الفيديو كليب.

تعتزّ أوركسترا كنّارة بمشاركتها في الاحتفال بزيارة البابا فرنسيس بغديدا في خلال رحلته التاريخيّة إلى العراق. وتطلّع إلى مزيدٍ من الدعم على الصعد كافّة لتتمكّن من مواصلة مسيرتها.