بكركي, الأحد 28 يناير، 2024
أكّد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي أنّ «أهالي القرى الحدوديّة في الجنوب أعربوا لنا عن وجعهم لتخلّي الدولة عنهم وعن واجباتها ومسؤوليّاتها تجاههم. فهم بكبارهم وصغارهم يعيشون وطأة الحرب المفروضة عليهم والمرفوضة منهم إذ يعتبرون أن لا شأن للبنان واللبنانيّين بها».
وأضاف الراعي في خلال ترؤسه قداس أحد الأبرار والصديقين اليوم في الصرح البطريركي، بكركي: «إنّنا نسمعهم وقلبنا ينزف دمًا. ونعمل كلّ ما بوسعنا لمساعدتهم بجميع الوسائل بالتعاون مع ذوي الإرادات الحسنة».
وجاء في عظة الراعي ما يأتي:
«كنت جائعًا فأطعمتموني» (متى 25: 35).
1. تذكر الكنيسة في هذا الأحد «الأبرار والصدّيقين»، وهم الذين عاشوا كمال المحبّة لله وللناس، وينعمون بالسعادة الأبديّة في كنيسة السماء الممجّدة. مع تذكارهم نستشفعهم من أجلنا ومن أجل راحة نفوس موتانا. ونختار منهم شفيعًا عندما ننال المعموديّة. ونقتدي بفضائلهم وبسيرة حياتهم، بالإضافة إلى شفيع الرعيّة.
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، طالبين شفاعتهم، وهم «يتلألؤون كالشمس في ملكوت الآب» (متى 13: 43)، ويطيب لي أن أحييكم جميعًا، مع تحيّة خاصّة لعائلة عزيزنا المأسوف عليه الدكتور الياس يعقوب الخوري الذي غادر في إثر نوبة قلبيّة فترك جرحًا بليغًا في قلب زوجته السيدة جيهان شوقي البستاني، وفي قلوب أبنائه وابنته ووالده وشقيقته، والطاقم الطبّي والإداري في مستشفى «العين والأذن» الدولي، وجميع أنسبائه ومقدّريه ونحن منهم. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسه وعزاء أسرته.
وأوجّه تحيّة خاصّة أيضًا إلى عائلة المرحومة سعاد جرجس مراد، في ذكراها الأربعين. فنجدّد عاطفة التعزية لعزيزنا زوجها جورج جوزيف باسيل ولأعزّائنا ابنها وابنتيها وشقيقتها، وقد غادرتهم هي أيضًا في إثر نوبةٍ قلبيّة حادّة أودت على الفور بحياتها تاركة جرحًا بليغًا في القلوب. وإنّا نخصّ بالتعزية ابنتها العزيزة بدر وزوجها الشيخ رشيد طوق على التعاون المشكور في هذا الكرسي البطريركي. إنّنا نصلّي لراحة نفس المرحومة سعاد وعزاء أسرتها.
ونحيي كذلك عائلة المرحوم جورج فرسان الراعي زوج العزيزة سميرة جميل الورشا شقيقة سيادة أخينا المطران يوحنّا رفيق الورشا معتمدنا البطريركي لدى الكرسي الرسولي، نجدّد التعازي لها ولابنها وابنتها ولشقيقه وشقيقته وعائلاتهم. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسه وعزاء أسرته وأنسبائه.
3. إنّ الأبرار والصدّيقين تميّزوا بمحبّة المسيح الذي رأوه في الجائع والعطشان والغريب والعريان والمريض والسجين، جسديًّا وماديًّا وروحيًّا ومعنويًّا. فأعلن يسوع تضامنه الكامل مع كلّ واحد من هؤلاء الذين يدعوهم «إخوته الصغار»، هم «إخوته» لأنّه تضامن معهم بفقره وحالته الاجتماعيّة، واتّحد في آلامهم وأعطاها قيمةً خلاصيّة أشركتهم في آلام الفداء. وهم «صغار» لأنّهم بحاجة إلى من يحبّهم ويساعدهم.
4. في مساء الحياة سنُدان على محبّتنا لهؤلاء الذين يختصرهم الربّ يسوع بستّ حالات لا تقتصر على المستويَين الجسدي والماديّ، بل تشمل أيضًا كلًّا من المستوى الروحيّ والثقافيّ والأخلاقيّ.
الجائع هو الذي يحتاج إلى طعام وعلم وتربية وثقافة وروحانيّة. العطشان هو الذي يحتاج إلى ماء وعدالة وعاطفة إنسانيّة ومعرفة. العريان هو المحتاج إلى ثوب وأثاث بيت وصيت حسن وكرامة. المريض هو الذي يعاني مرضًا في جسده أو نفسه أو أعصابه، والذي هو في حالة أخلاقيّة شاذّة كالبخل والطمع والنميمة والكبرياء، أو المدمن على المخدّرات أو المسكرات. الغريب هو العائش في غير بلده أو بلدته أو في محيط لا ينسجم معه، وهو أيضًا الغريب بين أهل بيته ويعاني عدم قبولهم أو تفهّمهم له. والسجين هو العائش وراء القضبان، وأيضًا من هو أسير ميوله المنحرفة، أو مواقفه غير البنّاءة والمتحجّرة، ومن هو مستعبد لأشخاص أو لإيديولوجيّات.
5. هذه المحبّة الاجتماعيّة التي سنُدان عليها تشمل الشخص البشريّ بجملته وتعمل على نموّه نموًّا شاملًا، وتحرّره من جميع العوائق التي تحدّ أو تعرقل نموّه الإنسانيّ والثقافيّ والاقتصاديّ والأخلاقيّ. إنّ الكرازة بالإنجيل لا تنفصل عن هذه الأبعاد المكوّنة لكلّ شخص.
هنا يظهر دور الدولة والمسؤولين فيها، وهو خدمة المواطن بتأمين وسائل عيشه الكريم ونموّه الشخصيّ الشامل. كم يؤسفنا أن نرى شعبنا في لبنان في حالة الذلّ والفقر والتقهقر الاجتماعيّ اقتصاديًّا وماليًّا وترقّيًّا! ولا عجب، فدولتنا المبتورة الرأس أصبحت بمقدّراتها الكبيرة فريسة الفاسدين المعتدين عليها والعاملين بكلّ ما في وسعهم على عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة ليخلو لهم الجوّ والوقت الطويل لقضم مالها ومؤسّساتها، وإشاعة حالة من الفوضى تسمح للنافذين بتمرير ما هو غير شرعيّ، بواسطة فائض القوّة.
6. يعرب لنا أهالي القرى الحدوديّة في الجنوب عن وجعهم لتخلّي الدولة عنهم وعن واجباتها ومسؤوليّاتها تجاههم. فهم بكبارهم وصغارهم يعيشون وطأة الحرب المفروضة عليهم والمرفوضة منهم إذ يعتبرون أن لا شأن للبنان واللبنانيّين بها. ويكتبون إلينا: «نعيش ضغوط الحرب النفسيّة وتسحق أعصابنا أهوال الغارات اليوميّة وأصوات القذائف المدويّة. وأطفالنا محرومون من وسائل الترفيه ولا يتلقون تعليمًا مدرسيًّا منتظمًا إلا عن بُعْد بسبب الإقفال القسري لمدارسنا والذي فرضته الحرب الحاليّة». ويتابعون: «بإمكانكم أن تتصّوروا مدى الفشل والفوضى والإخفاق والقلق الذي يترتّب على هذا الواقع المرير، وتداعياته على المستقبل التعليميّ والنفسيّ لأولادنا...».
ويضيفون: «اسمحوا لي بأن أقولها بالفم الملآن -ليس تخلّيًّا عن القضايا الوطنيّة ولا العربية، بل انطلاقًا من صدقي مع ذاتي- أرفض أن أكون وأفراد أسرتي رهائن ودروعًا بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجرّ على بلادنا سوى الانتصارات الوهميّة والهزائم المخزية».
إنّنا نسمعهم وقلبنا ينزف دمًا. ونعمل كلّ ما بوسعنا لمساعدتهم بجميع الوسائل بالتعاون مع ذوي الإرادات الحسنة.
7. لسنا نفهم لماذا تبقى الدوائر العقارية في جبل لبنان مقفلة، بحجة توقيف بعض موظفيها وتتعطّل أعمال المواطنين ولا تدخل الأموال الصافية إلى الخزينة في دولة مفلسة! إنّنا نطالب وزارة المال بمعالجة التقصير الفادح في تسيير أمور الدوائر العقارية المعطّلة في جبل لبنان وحده منذ ما يزيد على السنة حتى الآن بما يحرم الخزينة من عائدات طائلة وينذر بتمدّد وضعيات غير قانونية في ظلّ الشغور الرئاسيّ وعدم الانتظام العام. لماذا أيّها المسؤولون في الدولة تهدمون مؤسسات الدولة عمدًا؟ ولصالح من؟ ولأيّ هدف أو مشروع؟
8. أمّا قضيّة العمّال فتبقى في صلب رسالة الكنيسة. وقد عالجها بشكل رسميّ كامل سعيد الذكر البابا لاوون الثالث عشر في رسالته العامّة الشهيرة «الشؤون الجديدة» التي أصدرها في 15 مايو/أيّار 1891. فكانت الوثيقة الأساس في تعليم الكنيسة الاجتماعيّ بحيث أصدر البابا بيوس الحادي عشر بعد أربعين سنة رسالته العامّة في 15 مايو/أيّار 1931، ثمّ القدّيس البابا بولس السادس الذي أطلق رسالته بعد مرور ثمانين سنة أي في 15 مايو/أيّار 1971، وأخيرًا القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني بعد مرور 90 عامًا أي عام 1981 بعنوان «ممارسة العمل».
على أساس هذا الخط تُعنى البطريركيّة مباشرةً بدعم ما يؤول لخير العمّال في القطاعَين العام والخاصّ. فتُبارك ما يفعله الاتحاد العمّالي العام بالشكل العادل والمنصف، في ما يختصّ بالتعويضات ورفع الحدّ الأدنى للأجور، وفقًا لحالات العاملين. ونعرب عن تقديرنا لما حقّقه هذا الاتحاد من إنجازات لصالح العمّال.
9. نرفع صلاتنا اليوم كي يمنحنا الله نعمته حتى نرى وجه المسيح في وجوه «الإخوة الصغار»، ونخدمه فيهم بكلّ محبّة وخشوع. له المجد إلى الأبد، آمين.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته