الفاتيكان, الأحد 15 أكتوبر، 2023
حقّق السينودس عن السينودسيّة في الفاتيكان هذا الأسبوع خطوةً ملحوظةً. فلم يكتفِ المندوبون بالحجّ إلى سراديب الموتى الرومانية، بل انتخبوا لجنة للإشراف على صياغة تقرير توليفي، وذلك على الرغم من أنّ تقريرًا موقتًا حول المسيرة السينودسية الألمانية -قُدِّم إلى المشاركين- أنذر بعواصف قد تلوح في الأفق.
تباينت النقاشات والأحداث خارج قاعة السينودس مقارنةً بالجدية والأجواء الهادئة نسبيًّا داخل القاعة. إذ شارك لاهوتيّ التحرير الجدلي ليوناردو بوف في جمعية يقودها العلمانيون. ومن ناحيةٍ أخرى، قد تظهر، في الأسبوع الختامي، ضغوط أيديولوجية بشأن صياغة الوثيقة الختامية للسينودس.
حساسية اختيار أعضاء لجنة التقرير
أكّد رئيس لجنة الإعلام الخاصة بالجمعية العامة للسينودس باولو روفيني، في مؤتمر صحافي عقده يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، أنّ التقرير التوليفي سيصوغه خبراء مشاركون في السينودس.
ولا بدّ من أن يكون اختيار أعضاء اللجنة قد كشف عن الحساسيات بشأن صياغة الوثيقة التي ستختتم هذا الجزء من السينودس. وضمّت اللّجنة كلًّا من الكاردينالَين مارك أفيلين من مرسيليا الفرنسية، وجورجيو مارينغو من أولان باتور عاصمة منغوليا، وهو خيار يوحي بتوسيع النطاق الجغرافي وتنوّع المواضيع. وقد يرى بعضهم في هذه الخطوة إشارةً إلى شمل المناطق النائية.
وتقع على عاتق لجنة التقرير التوليفي مهمة الإصغاء إلى الدوائر الصغرى، وجمع أغلبية الثلثَين من المصوّتين، وتدوين ردود الفعل داخل الجمعية العامة لصياغة وثيقة تتناسب مع مختلف التوجّهات والمشاعر.
ومع ذلك، يرى بعضهم أنّه إذا بقي التركيز على الإصغاء أولويّةً، فسيتعيّن تضمين الوثيقة الموجزة جميع وجهات النظر. وقد تأخذ مخاوف أخرى منحًى أكثر جديةً: ماذا لو تضمّنت الوثيقة «فرضيّةً بَينيّةً»، فتصبح في ما بعد أساسًا لمزيد من المداولات السينودسية في المستقبل؟
التوتّر اللاهوتي والراعوي
كان التوتر المحيط بصياغة الوثيقة واضحًا في الإحاطات والمداخلات في خلال هذا الأسبوع.
فيوم الاثنين الماضي، قال المطران الأرثوذكسي الشرقي، المتروبوليت جوب من بيسيديا إنّ تعريف السينودسية للحدث الذي نظّمه الفاتيكان يختلف كثيرًا عن المفهوم الأرثوذكسي. وأشار إلى مجموعة من المراجع الدينية مثل المجمع المسكوني الأول، ومجمع نيقية عام 325، والقوانين الرسولية أي النص المسيحي من القرن الرابع والذي يتعلق بإدارة الكنيسة المسيحية الأولى ونظامها. وأضاف: «يشكّل السينودس اجتماعًا استشاريًّا للأساقفة، وليس تجمّعًا استشاريًّا بين رجال الدين والعلمانيين».
وعلى الرغم من عدم وجود بيانات رسمية نظرًا إلى بنود السرّية المُلزمة قانونًا للمشاركين في السينودس، يكشف الحديث غير الرسمي أيضًا عن عدم الارتياح بشأن توحيد بعض الجداول، ما قد يؤدي إلى تطبيق أجندات حقيقية.
وكان النقاش محدودًا في بعض المواضيع والجداول بناءً على نيّة مشتركة. ويبدو أنّ موضوع المسكونيّة ينمّي إحساسًا بالألفة لدى المشاركين.
وعن النقاش بشأن شمل مجتمع الميم، برز اختلاف على نطاق واسع. ولم يُذكَر بيان العام 1986 من جمعية عقيدة الإيمان بخصوص الرعاية الراعوية للمثليين، على الرغم من أنّ أساقفة ومشاركين آخرين يؤيدون المرافقة العقائدية لهم باحترام.
وفي مؤتمر صحافي يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، اشتدت التوترات المحيطة بمشاركة مجتمع الميم عندما دعا الكاردينال جوزيف توبين من نيوارك-نيوجيرسي إلى مزيد من الاقتراحات الراعوية تجاه الأفراد المثليين، قائلًا: «إنّ جمال كنيستنا الكاثوليكية الحقيقي يتجلّى عندما تكون الأبواب مفتوحة للجميع. آمل أن يساعدنا السينودس مساعدةً قيّمة». وفي ردٍّ على ما قاله الكاردينال، سأل صحافي مراسل عمّا إذا كانت أبواب الكنيسة مغلقة بالنسبة إلى بعض الكاثوليك التقليديين.
وأكّد الأسقف الكاثوليكي الأميركي أيضًا أنّ النزاعات المسلّحة الحالية أسرت عقول المشاركين. فتطرقت مارغريت كرّام، رئيسة حركة الفوكولاري، إلى هذا الموضوع يوم الخميس. وتحدثت كرّام، المولودة في الأراضي المقدسة، عن الصراع بين إسرائيل و«حماس»، مُقدّمةً وجهات نظر عن تجربة المسيحيين في العراق وعن المشهد الكنسي الأفريقي.
هل الأصوات جميعها مسموعة؟
يبذل منظِّمو السينودس جهدًا ملحوظًا للتأكّد من أنّ جميع الأصوات مسموعة. ومع ذلك، أثار النهج الجديد والسرّي لترتيب المقاعد كثيرًا من التساؤلات: من هم الذين يجلسون قرب بعضهم بعضًا في السينودس عن السينودسية؟ وما هي المواضيع التي ستُناقش؟ وهل هناك مناقشات فعلية؟
وبدا الجهد واضحًا من جانب المنظِّمين للتأكّد من أنّ الأصوات حقًّا مسموعة. لذلك، جرى توزيع كتاب «تكلّم الشعب» على المشاركين وهو من تأليف ميريام فيلينز وفيمال تيريمانا. وتهدف هذه الخطوة إلى توفير إطار لجهود الجمعيات القارية.
وفي بداية الجلسة العامة في 9 أكتوبر/تشرين الأول، قال الكاردينال جان كلود هولريخ: «الجميع مدعوون ليكونوا جزءًا من الكنيسة».
وأضاف: «بتواصل يسوع العميق مع الآب من خلال الروح القدس، وصلت هذه الشركة إلى جميع الخطأة. هل نحن مستعدون لنحذو حذو المسيح؟ هل نحن مستعدون لفعل ذلك مع الجماعات التي تزعجنا لأنّ وجودها قد يهدد هويتنا؟» وأكّد هولريخ أنّ عدم فعل ذلك «سيجعلنا نبدو وكأننا نادٍ منغلق محصور بالهوية».
رسالة من المسيرة السينودسيّة الألمانيّة
كاد الظلام يخيّم على هذا الأسبوع بسبب رسالة تلقّاها المشاركون في السينودس من المطران جورج بيتزينغ من ليمبورغ الألمانية، وهو نائب رئيس المسيرة السينودسية الألمانية المثيرة للجدل، أي الحدث الخارج عن السينودس.
وتلقّى المشاركون في السينودس عن السينودسيّة مستندًا من 159 صفحة مُترجم إلى لغات عدة يتضمّن القرارات التي اتُّخذت في خلال المسيرة السينودسية الألمانية. ومن بين هذه القرارات تصويتات مثيرة للجدل بما في ذلك دعوات إلى إعادة تقييم المثلية، ومباركة زواج المثليين، وإنهاء عزوبيّة الكهنة. ويتناول المستند أيضًا مسائل التنوّع الجندري، ودور المرأة في الخدمات الطقسية، ومشاركة العلمانيين في اختيار الأساقفة الأبرشيين.
وفي بعض الحالات، تُمثّل القرارات الألمانية أفكارًا راعوية. إلا أنها تميل إلى تغيير تعاليم الكنيسة التقليدية في كثير من الحالات الأخرى. وبحسب نظامها الأساسي، تُرسَل هذه الاقتراحات إلى البابا.
(Story continues below)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنوجوهريًّا، تمضي ألمانيا قدمًا في خطط لإنشاء مجلس سينودسي دائم مُنتظِرةً موافقة البابا، وإن وافق، على أيّ تعديلات في تعاليم الكنيسة. وتبدو هذه المسألة مفتوحة بشأن استجابة روما والتحالفات التي قد تظهر في خلال هذا السينودس.
مياه هائجة
بينما تُقدّم المسيرة السينودسية الألمانية اقتراحاتها المثيرة للجدل، قد تؤدي الأمور الداخلية في السينودس إلى رفع بعض هذه الأفكار إلى المناقشات في روما.
وستحدّد مجريات الأحداث ما إذا كان السينودس عن السينودسية مزيجًا من الأفكار الجديدة، على غرار التلاقي التاريخي لنهرَي الراين والتيبر في منتصف القرن الفائت؛ عبارة توحي بإمكان تدفُّق الأجندات اللاهوتية التقدمية من الأراضي الألمانية إلى الحوار الكنسي الأوسع في روما كما حدث في المجمع الفاتيكاني الثاني.
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته