مرسيليا, الخميس 14 سبتمبر، 2023
هو رجل ذو خلفية استثنائية. ينحدر من عائلة هاجرت مرتَين. وُلِدَ في الجزائر لكنه فرنسيّ، وهو اليوم كاردينال في بلاده.
إنّه جان مارك أفيلين كاردينال مرسيليا الذي يعمل على استقبال البابا فرنسيس الأسبوع المقبل في أبرشيته. فإلى مدينة أفيلين الفرنسيّة تتّجه أنظار الكنيسة الكاثوليكية مع رحلة الأب الأقدس الرسولية إليها في 22 و23 سبتمبر/أيلول الحالي بمناسبة «اللقاءات المتوسطية».
اللجوء تَمَزُّق
يعرف الكاردينال الفرنسي قضايا اللاجئين عن كثب. فعائلته هاجرت «المرّة الأولى من الأندلس إلى شمال أفريقيا والثانية من شمال أفريقيا إلى فرنسا»، على حدّ قوله في مؤتمر صحافي عقده في المركز الإسباني للدراسات الكنسية في مدينة روما. ويعلم أفيلين تمامًا أنّ الإنسان «لا يتخلّى عن بلده الأمّ بطيبة خاطر»، فكلّ انتقال من بلد إلى آخر «هو تَمَزُّق»، على حدّ تعبيره.
أفيلين الذي صار أسقفًا مساعدًا في مرسيليا عام 2014، تابع دراساته العليا اللاهوتية والفلسفية في أرقى الجامعات الفرنسية، من المعهد الكاثوليكي الباريسي إلى جامعات باريس الأولى وباريس الرابعة والسوربون. وبعد تخرّجه، علّم اللاهوت لسنوات طويلة وأدار معاهد تدرّس هذا الاختصاص. وسمّاه البابا فرنسيس عام 2019 رئيس أساقفة مرسيليا وأعطاه لقب الكردلة عام 2022.
بين كرادلة فرنسا
هو ليس الكاردينال الفرنسي الوحيد اليوم. فإلى جانبه 5 كرادلة آخرين وكاردينال مسمّى، وهم: رئيس أساقفة ليون المتقاعد فيليب باربارين، والرئيس الحالي لمحكمة التوقيع الرسولي دومينيك مامبيرتي، والرئيس المتقاعد للمجلس الحبري للثقافة والمجلس الحبري للحوار بين الأديان بول بوبار، ورئيس أساقفة بوردو جان بيار ريكار، ورئيس أساقفة باريس المتقاعد أندريه فينتروا، والكاردينال المسمّى السفير الباباوي كريستوف لويس إيف جورج بيير. ويضاف إلى هؤلاء الستة أيضًا الكاردينال المسمّى أسقف أجاسيو فرنسوا كسافيي بوستيلّو المولود في إسبانيا والذي يخدم في فرنسا.
الرسالة المفتوحة
لا عجب أن تستضيف أبرشية أفيلين المؤتمر الثالث «للقاءات المتوسطية». ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده، شرح أنّ بعد البحث عن مكان وعدم التمكّن من إيجاد مدينة قادرة على استضافة الحدث في شمال أفريقيا أو الشرق الأوسط بسبب الأوضاع الحالية التي تمر بها هذه المناطق، وقع الاختيار على مرسيليا.
تضمّ هذه المدينة 800 ألف نسمة متعددة الثقافات والأديان. فإلى جانب المسيحيين تحتضن المدينة المتوسطية 250 ألف مسلم، و80 ألف يهودي، و80 ألف أرمني، و20 ألف بوذي، و90 ألف شخص أصولهم من جزر القمر، وغيرهم من المغاربة والمشرقيين والأفارقة. فتلك المدينة رسالة مفتوحة إلى العالم من على الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
الوضع الأمني في المدينة
لا يبدو منسوب التفاؤل في هذا «العالم الصغير»، مرسيليا، مرتفعًا بشكل يومي. ففيها أحد أفقر الأحياء الأوروبية، كما ينقل الموقع الرسمي للقاءات المتوسطية. ومنها تنعكس بعض أعمق المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في فرنسا. فهي مدينة تعي جراح الماضي وبقايا الذكريات الأليمة والجرائم، وتبحث في بعض أحيائها بشكل يومي عن كرامة الإنسان.
لكنّ أفيلين ليس قلقًا على الوضع الأمني في خلال زيارة البابا فرنسيس إلى المدينة كما أعلن في مؤتمره الصحافي. فحضور الحبر الأعظم يتزامن مع نشاطات أخرى تحصل في أسبوع الرحلة الرسولية عينه، منها كأس العالم للرغبي ومعرض مرسيليا الدولي. وجميع هذه الأحداث تُحَتِّم عادةً إجراءات أمنية خاصة وانتشارًا واسعًا للأجهزة الأمنية.
جديد «اللقاءات المتوسّطيّة»
في تفاصيل «اللقاءات المتوسطية» لفت أفيلين إلى أنّ مؤتمر مرسيليا يحمل أمورًا عدة جديدة هذا العام. فقد دُعِيت إلى الحدث شبيبة من جميع البلدان المطلّة على «المتوسط» للعمل والتفكير معًا. لذلك ستعمل جنبًا إلى جنب شبيبةٌ من فلسطين وإسرائيل، ومن المغرب والجزائر، ومن اليونان وتركيا وغيرها.
وسيُسَلَّط الضوء على البحر الأبيض المتوسط بضفافه الخمس: أفريقيا الشمالية، والشرق الأوسط، والبحر الأسود، وشبه جزيرة البلقان، وأوروبا الجنوبية. وسيمثِّل كلًّا من هذه المناطق الخمس أسقف يتكلّم بالنيابة عنها، على أن تتبع الكلمات ورش عمل تغطي ما لم تلحظه الكلمات. وتتمحور النقاشات حول أربعة محاور أساسية هي: محور اقتصادي-اجتماعي، ومحور بيئي، وآخر عن اللجوء، ومحور أخير جيوسياسي ديني.
ويسعى أفيلين مع المنظمين جاهدًا إلى عدم تحوّل النقاشات إلى تفكير بين النُّخَب. لذلك نُظّمَ مهرجان ثقافي متوسطي لجميع سكان المدينة والقادمين إليها يضم نحو 100 نشاط مختلف. ويهدف المهرجان إلى رفع مستوى وعي الشعب حول قضايا المتوسط.
كرامة اللاجئ
أكّد أفيلين أنّه لا يمكن تصنيف اللاجئين وقبول من منهم يتناغم مع المجتمعات المضيفة فقط. فلا يمكن دفع الناس إلى اللجوء بل يجب تأمين أفضل الظروف لهم ليتمكّنوا من العيش بكرامتهم في أرضهم. ورأى أنّ هناك مبدأين في التعامل مع هذه القضية يجب لحظهما: كرامة كل شخص بشري ووحدة العائلة البشرية. وأوضح أنّ تَطَرُّق الكنيسة اليوم إلى السياسة يأتي من الجانب الإنساني المرتبط بقضايا البشر.
وشدد أفيلين في مؤتمره على أهمية الابتعاد عن قطبَين مرفوضَين في الخطاب المرتبط بقضية اللجوء: الأول، الداعي إلى قبول القادمين وتشريع الأبواب أمامهم، وسمّاه «الخطاب الساذج». لأنّ من ينادي بهذه الطريقة، بحسب رأيه، لا يعيش في أحياء البطالة وانعدام الأمان والكثافة السكانية وتجارة المخدرات وغيرها. أما الثاني فهو الخطاب العدائي الإيديولوجي الساعي إلى حصد الأصوات في الانتخابات. ورأى أنّ على الكنيسة أن تعيش أولًا في أماكن سكن اللاجئين وتخدمهم عن كثب.
تمويل الحدث
ردًّا على سؤال حول ميزانية الحدث، شرح أفيلين الذي وصل أمس إلى روما على متن رحلة راين آير (إحدى أرخص الرحلات الجوية) أنّ أبرشيته لا تملك إمكانيات مالية ضخمة. لكنّ كثيرين من المتبرعين والمحسنين ساهموا في تمويل اللقاءات التي وصلت تكلفتها حتى اللحظة إلى مليون ونصف مليون يورو. وإن كان المبلغ ليس ضخمًا لحدث مشابه، فهو كبيرٌ جدًّا بالنسبة إلى إمكانيات أبرشيته المالية، كما فسّر.
(Story continues below)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنوكشف الكاردينال في خلال المؤتمر أنّ ما سيقوله الأب الأقدس الأسبوع المقبل في مرسيليا لن يكون موجّهًا إلى الأساقفة الفرنسيين والمجتمعين من دول عدة أو الشبيبة المشاركة فحسب، بل سيطال الفاعلين الاقتصاديين والجمعيات واللاجئين وجميع الراغبين في العمل على قضايا «المتوسط».
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته