حلب, الاثنين 4 سبتمبر، 2023
بعد سنوات من الحرب القاسية في سوريا، وبعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير/شباط الماضي، زار كاثوليكوس كيليكيا للأرمن الكاثوليك البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان مدينة حلب حاملًا معه الأمل ومعيدًا الحياة إلى نفوس مؤمني المدينة.
تأتي رحلة ميناسيان بعد 20 عامًا على زيارة آخر بطريرك أرميني المدينة. وفي خلال زيارته، كانت لوكالة «آسي مينا» مقابلة خاصّة معه.
أكّد البطريرك اتحاده الروحي وصلاته المستمرة لمسيحيي سوريا عمومًا وحلب خصوصًا في السنوات الماضية. ولفت إلى أنه رغب دائمًا في إتمام هذه الزيارة. وتمنّى ملء الشغور في سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية. كما أشار إلى وجوب تقديم بعض التضحيات للكنيسة والتمسك بأرض الوطن والهوية الشرقية. وعبّر عن رغبته في تشارك أفكار السينودس المُزمع عقده في روما في أكتوبر/تشرين الأول المقبل عساها تُعاش بعدها.
بعد 20 عامًا على زيارة آخر بطريرك أرميني حلب عام 2004، ما الهدف الرئيس من هذه الزيارة المباركة؟
الهدف الوحيد والأسمى لزيارتي هو لقائي بأفراد العائلة المسيحية المتشردة بسبب المصائب التي مرت عليها كالحرب والموت والخراب وجميع تلك الأمور السيئة التي تحمّلتها. وأذكر بشكل خاص الهزة الأرضية الأخيرة التي جاءت لتُضاف إلى الصعوبات السابقة. فهذه العائلة أصبحت في أمسّ الحاجة إلى الإحساس بالمحبة والأمل كي لا يسيطر عليها الشعور بأنها منسية.
صحيح أنني لم أستطع الحضور جسديًّا في خلال السنوات الاثنتي عشرة المريرة السابقة (سنوات الحرب السورية)، لكنني كنت متّحدًا روحيًّا مع الشعب عبر الصلاة وتلقّي أخبارهم ومتابعتهم وتقديم المساعدة لهم. إلّا أنّ تفكيري في حال الرعية والطائفة لم يقتصر على السنتين الماضيتين، أي فترة تسلّمي السدة البطريركية، بل منذ أيام خدمتي في أوروبا الشرقية، أي في أرمينيا، نتيجة هجرة بعض أفراد الرعية السورية إلى أرمينيا واستقرارهم فيها. فتلك الهجرة أتاحت لي فرصة أن أكون أول من يستقبلهم ويمنحهم المساعدة لعيش حياة كريمة.
وأُضيف إلى ذلك رفضي نعتهم أو تسميتهم بالمهجّرين. فالهجرة صعبة وقاسية وهم ليسوا سوى منتقلين من منزل إلى آخر ضمن العائلة ذاتها والمحيط ذاته الذي اعتادوا العيش فيه أيام الفرح. أمّا الأيام الصعبة، فعلينا أخذها في الاعتبار إذ إنّ الصعوبات يجب أن تكون في حياتنا لتمنحنا النشاط والقدرة على تذكّر ربنا يسوع المسيح الذي سيخلّصنا كما فعل على خشبة الصليب.
ما دور الكنيسة الأرمينية في مساندة مسيحيي سوريا عمومًا وحلب خصوصًا في ظل الأوضاع الحالية؟
بدايةً، نشجع أولادنا دائمًا على التعلّق الشامل بالأرض ونحن معتادون على سماع تعبير مسقط رأسهم، فالوطن هو حيث يولد الإنسان. إنما الانتمائيّة الأرمينية، نحبّذها في جميع أنحاء العالم. أمّا نحن كرجال دين، فمن واجبنا أن نخدمهم أينما وجدوا وبأيّ حال كانوا، هذه رسالتنا وواجباتنا، لنستطيع أمام ضميرنا وربّنا أن نكون قد أدّينا واجباتنا. والله هو الذي يرى ويعطي ويبارك. عسى ألا تنقص بركته علينا وعلى الرعية بأكملها.
ما تعليقكم على وضع الساحة المسيحية المتخبّطة في لبنان مع استمرار شغور سدة الرئاسة الأولى؟
هذا التساؤل يأخذ لونًا سياسيًّا ونحن في المقابل بعيدون عن السياسة. أستطيع القول إنني أرجو ملء شغور السدة الرئاسية وانتخاب مسؤولين مناسبين لجميع البلدان. وفي المقابل، أن يخدم الرؤساء شعوبهم، فالسدّة الرئاسية ليست رئاسة أكثر من كونها خدمة وعطاء وبذل النفس للشعب. هذه هي الرئاسة التي يجب علينا فهمها والانتماء إليها.
ماذا عن واقع الجالية الأرمينية في العراق من ناحية عددها ومستقبلها وهواجسها؟
كحال كل الشعوب وأحوال البلدان الشرق أوسطية، ولسوء الحظ، غادر كثيرون بلدانهم. لكنّ الأمر المفرح، وهو ما حدث لرعايانا في سوريا والعراق ولبنان، أنهم لم يبتعدوا كثيرًا بل غادروها إلى أرمينيا البعيدة مسافة ساعة واحدة عن بيوتهم وعائلاتهم وبلدانهم. أي أنّ ساعة واحدة تفصلهم عن العودة إلى ديارهم وإلى حياتهم الطبيعية وهو ما أتمناه، وأرجو دائمًا ألا يبتعدوا عن أوطانهم.
ما كلمة غبطتكم إلى الشباب المسيحي في الشرق الواقع بين مطرقة التجذّر وسندان الرحيل؟ وما مساعي الكنسية في مواجهة الصعوبات التي تعصف بالمنطقة؟
كلمتي هي كلمة عزاء، كلمة محبة وتضحية، فالكنيسة تبذل نفسها أمام شعبها الذي يتعيّن عليه أيضًا التعلّق بكنيسته وهويته وألا يخاف. إنّ الرب يخاطبنا في كتابه المقدس قائلًا: «لا تخف أيها القطيع الصغير». فإلهنا هو الذي سيكافئنا وهو حيّ يعيش معنا ونحن نؤمن بالابن الذي بذل نفسه في سبيل خلاصنا وسيكافئنا.
كثيرًا ما نعتقد أننا الوحيدون الذين يتألمون نتيجة الحروب أو الكوارث لكن عند نظرنا إلى البشرية نظرةً شاملة نراها بأكملها تتألم. فالصعوبات تعصف بالبشرية جمعاء وهي ناجمة عن المحيط الذي خلقه الإنسان بيديه بسبب نسيانه ربّه الخالق، وابتعاده عنه.
إنّني متأكد من أنّ الأديان تعترف بوجود الله الواحد وخالق البشرية، ونحن المسيحيين نضيف إلى ما سبق: «بذْلَ ابن الله نفسه في سبيل خلاصنا». وإذا كنا قد تشردنا في ضجة هذا العالم ونسينا، فعلينا اليوم العودة إلى ضمائرنا وفكرنا المسيحي وهويتنا لشكر الربّ على مساعداته التي لا تحصى والممنوحة لنا يوميًّا في كل دقيقة وكل ساعة بمختلف السُّبُل.
ماذا ترغبون أن تقولوا في الدورة الأولى من السينودس عن «الكنيسة السينودسية» في أكتوبر/تشرين الأول المقبل؟ هل هناك أمر محدد تودّون نقله إلى المشاركين في السينودس؟
إنّ عنوان المسيرة السينودسية هو السير معًا. وهذا هو الرأي المنشود الذي نود حقيقةً أن يكون كما هو معنون. فالمسيرة معًا لا تزال صعبة وعند النظر إلى تاريخ كنيستنا الشرقية أو الشرق أوسطية نجد كثيرًا من الخصومات والابتعاد والانشقاقات ولغاية يومنا هذا ما زال تعدد الطوائف والانفراد بالرأي موجودَين. وذلك علامة نوعًا ما، على رغبة الكنيسة في السير معًا.
ومن وجهة نظري، أراه (السير معًا) مرحلة صعبة في حياة الكنيسة تحتاج إلى مجهود وإصرار لنستطيع تبنيها وبالتالي نصبح شهودًا ومثالًا لهذا الطبع الذي ترغب الكنيسة في إظهاره إلى العالم أجمع.
أرجو الربّ أن يشكّل السينودس نقطة انطلاق ولفت أنظار وتقارب أرواح لبعضها بعضًا كما أرادها الله أن تكون دائمًا راعيًا واحدًا ورعيةً واحدة.
ماذا ترغب الكنيسة الأرمينية أن ينتج من هذا السينودس؟ وما توقعات غبطتكم؟
(Story continues below)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنبالطبع، لا نستطيع التنبؤ بمخرجات السينودس، بل العمل على عيشها. لذلك علينا أن نستمع إلى الأفكار في السينودس ونتشاركها، وكلنا ثقة بأنّ الروح القدس لن يتركنا بمفردنا وحيدين. فكما ظلّل الروح القدس الرسل الاثني عشر منذ ألفي عام، سيكون حاضرًا وفاعلًا معنا نحن رسل المسيح اليوم في السينودس، وسيرشدنا إلى الطريق الصحيح لنستطيع خدمة الشعب وإكمال مسيرة المسيح على الأرض.
وختم ميناسيان حديثة إلى «آسي مينا» شاكرًا الربّ الذي أتاح له فرصة زيارة الرعية في حلب، والكنيسة المحلية ممثلةً بسيادة المطران بطرس مراياتي على دعوته والتحضيرات لزيارته.
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته