الأحد 15 ديسمبر، 2024 تبرّع
EWTN News

مسيحيو العراق... إيمان البقاء يُجابه شكوك الانقراض

أحداث دراماتيكيّة عاشها مسيحيو العراق أدّت إلى تناقص أعدادهم بشكل ملحوظ/ Provided by: Public Domain

تتالت على مسيحيي العراق بعد العام 2003 أحداث دراماتيكيّة كانت حصيلتها النهائيّة تناقص أعدادهم من نحو مليون ونصف المليون إلى قرابة 250 ألفًا اليوم، حسب  إحصائيّات غير رسميّة يشير بعضها إلى أنّ العدد أقل من ذلك.

ضحايا بالآلاف

يؤكّد كتاب «ضحايا الإرهاب من المسيحيين الكلدان السريان الآشوريين والأرمن في العراق» والصادر عن الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية عام 2015 أنّ المسيحيين في العراق بمختلف انتماءاتهم كانوا عرضةً «لسلسلة من العمليات الإرهابية المنظمة منذ الإطاحة بالنظام البائد عام 2003... حيث قامت المجاميع الإجرامية والخارجة عن القانون بخطف وقتل أبناء هذا المكّون المسالم والمُحِب للحرية والمطالِب بالعدالة الاجتماعية والمساواة وحق المواطنة».

غلاف كتاب «ضحايا الإرهاب من المسيحيين الكلدان السريان الآشوريين والأرمن في العراق» الصادر عن الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية عام 2015. Provided by: Public Domain

يوثِّق الكتاب بالأسماء وتواريخ الاستشهاد لـ1107 شهداء مسيحيين سقطوا في خلال الفترة من 2003 حتى 2014 فقط، فضلًا عن 114 اعتداءً على كنائس وأماكن عبادة مختلفة.

كما أورد تقرير لمنظمة حمورابي لحقوق الإنسان أسماء وتفاصيل استشهاد «ضحايا الإرهاب وأعمال العنف من المسيحيين منذ العام 2003 – 2011».

الضحايا من الإكليروس

خسرت الكنيسة في العراق نخبةً من إكليروسها من مختلف الانتماءات، وكان على رأسهم الشهيد المطران بولس فرج رحّو عام 2008، وسبقه في الاستشهاد الأب رغيد كنّي عام 2007 وكلاهما من الكلدان الكاثوليك. واستشهد في الموصل أيضًا القس منذر السقّا راعي الكنيسة الإنجيليّة والأب بولس إسكندر من السريان الأرثوذكس وكلاهما عام 2006، فضلًا عن الأب يوسف عادل عبودي أحد كهنة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الذي استشهد في بغداد عام 2008.

وطال الخطف عددًا من الكهنة والمطارنة منهم في الموصل المطران جرجس القس موسى الرئيس الأسبق لأساقفة الموصل وتوابعها للسريان الكاثوليك عام 2005، ثم الأب بيوس عفّاص والأب مازن إيشوع متّوكا، معًا، عام 2007.

وشهدت بغداد أيضًا عمليات خطف متعدّدة لكهنة أورد تقرير للجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية أسماءهم كالآتي: «القس رعد وشان، والقس (المطران) باسل يلدو، والقس (المطران) سعد سيروب، والقس دوكلص البازي، والقس سامي عبد الأحد، والقس هاني عبد الأحد، والقس نوزت بطرس».

وكانت تعقب كلّ عملية خطف أو قتل لرجل دين في أيّ مدينة، موجات نزوحٍ للمسيحيين إلى المناطق الأكثر أمنًا أو هجرة إلى خارج العراق بأعداد كبيرة، «لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ» (مت 26: 31).

مجزرة سيّدة النجاة

كان استهداف مسلحي دولة العراق الإسلاميّة الإرهابيّة التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين لكنيسة سيّدة النجاة الكاثوليكيّة في حيّ الكرادة ببغداد نقطة تحوّل في مسار العمليات الإرهابيّة ضد مسيحيي العراق. حصل ذلك مساء 31 أكتوبر/تشرين الأوّل 2010 حينما كانت الكنيسة تعجّ بالمصلّين المجتمعين للاحتفال بالقداس الإلهي.

فللمرة الأولى تقتحم مجموعة مسلّحة كنيسة في أثناء الصلاة وتحتجز المصلّين رهائنَ، فضلًا عن الفظائع التي ارتكبتها في خلال الواقعة ما أسفر عن استشهاد 45 من المؤمنين، على رأسهم الأبوان ثائر عبدال ووسيم القس بطرس وجرح 67 آخرين أصيبوا في خلال عمليّة الاحتجاز والتحرير. كما أسفرت أيضًا عن فرار المسيحيين بأعداد كبيرة من بغداد، ما أدّى إلى تناقص أعدادهم أكثر فأكثر.

عاصفة داعش

اقتلعت عاصفة داعش الإرهابي التي هبّت عام 2014 مسيحيّي الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى من مواطنهم التاريخيّة، وكانت المرة الأولى منذ قرون التي تخلو فيها الموصل من مسيحييها وتصمت أجراس كنائسها.

أحداث دراماتيكيّة عاشها مسيحيو العراق أدّت إلى تناقص أعدادهم بشكل ملحوظ. Provided by: Public Domain

ترك المسيحيون في دقائق تعبَ سنوات. لم يتردّدوا في التخلّي عن بيوتهم وممتلكاتهم الثمينة مقابل الحفاظ على إيمانهم، كما أكّد رئيس أساقفة أبرشية الموصل وتوابعها للسريان الكاثوليك المطران بنديكتوس يونان حنّو في حديث خاصّ إلى «آسي مينا» مشدِّدًا على أنهم «مضطَهَدون من أجل إيمانهم، ولا أسمى من حفاظ الإنسان على إيمانه».

هجرة إلى الأمان

وجّه احتلال داعش الإرهابي للمناطق المسيحيّة ضربةً قويّة لوجودهم التاريخي، إذ نجمت عنه هجرة أعداد كبيرة من العائلات المسيحيّة إلى المهاجر في مختلف دول العالم. ولا يكاد يتجاوز عدد العائلات العائدة  إلى الموصل، على سبيل المثال، قرابة مئة عائلة. أمّا بغديدا (قرة قوش) فتناقص الوجود المسيحيّ فيها من قرابة 60 ألفًا إلى ما لا يزيد على 30 ألفًا اليوم.

عنكاوا وبغديدا علامتا رجاء

رغم الظروف القاسية التي عاناها مسيحيّو العراق في خلال العقدين المنصرمين، رفض كثيرون منهم التخلّي عن أرض الآباء والأجداد مفضّلين اللجوء إلى المناطق الأكثر أمنًا في الوطن على مغادرته.

عمّر العائدون إلى بغديدا وما جاورها من البلدات المسيحيّة كنائسهم، بل شادوا أخرى جديدة، كما أعادوا ترميم بيوتهم المدمرّة والمحروقة واستأنفوا زراعة أراضيهم وواظبوا على وظائفهم وأعمالهم، محاولين إعادة حياتهم الى النمط المعتاد من دون أن يفقدوا الأمل في أن يحصلوا يومًا على حقوقهم.

ولم يتوانوا عن تنظيم وقفات «احتجاجًا على عدم تلبية الحكومة مطالبنا كمسيحيين، وكمكوّن أصيل في هذه المنطقة» بحسب حنّو الذي أكّد عبر «آسي مينا» عدم تلقي  أيّ إجابة واضحة إزاء طلباتهم الشرعية والقانونية والدستورية.

(Story continues below)

اشترك في نشرتنا الإخبارية

في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.

اشترك الآن

لكنّ بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثالث يونان اعتبر في مقابلةٍ خاصّة مع وكالة «آسي مينا» أنّ المسيحيين في العراق يعيشون وضعًا أمنيًّا مستقرًّا، وأنهم ليسوا بحاجة إلى ميزات خاصّة بل يمارسون حقوقهم كباقي المواطنين.

على صعيد متصل، يضمّ قضاء عنكاوا في إقليم كردستان العراق العدد الأكبر من المسيحيين العراقيين ومعظمهم مهجَّرون من مناطق البلاد التي شهدت اضطرابات سابقة أو أعمال عنف وإرهاب. وتزدهر مشاريع عدّة تديرها إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة تسعى من خلالها إلى توفير فرص العمل للشباب المسيحي، ما يشجِّعهم على التشبّث بالوطن. فضلًا عن مؤسّسات تربوية وتعليميّة توفّر فرصًا تعليميّة أفضل وجامعة كاثوليكيّة تستقبل الدارسين الذين يحظى معظمهم بمنح لإتمام تعليمهم العالي. 

استهداف جديد

بعد فترة من الهدوء النسبيّ عادت التساؤلات حول مستقبل المسيحيّين في العراق لتبرز على السطح، ولا سيّما مع قرار رئيس الجمهوريّة سحب المرسوم الجمهوري (رقم 147/ 2013) الخاصّ بـ«تعيين» لويس ساكو بطريركًا للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم ومتولّيًا على أوقافها، الأمر الذي عدّته البطريركيّة الكلدانيّة عملًا استفزازيًّا، واستهدافًا للمسيحيّين في العراق وربما يهدد بمزيد من الهجرات. وأمام واقع لا يخلو من التعقيدات والتحديات يبقى التحدّي الأكبر هو الحفاظ على مسيحيي العراق من خطر الانقراض.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته