مار يوسف البتول… القديس الصامت الواثق في الله

أربيل, الأحد 19 مارس، 2023

لا ينقل إلينا الإنجيل ببشاراته الأربع أيّ كلمة نطق بها القديس يوسف البتول، ولا نعرف عنه سوى أنه كان «رَجُلَ مريم التي وُلِدَ منها يسوع الذي يُدعى المسيح» (مت 1: 16).

ويخبرنا الكتاب المقدّس في رواية ارتياب يوسف من حَبَلِ خطيبته قبل أن يتساكنا أنه «إِذْ كَانَ بارًّا، ولم يشأ أن يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا» (مت 1: 19). وحينما طمأنه الملاك إلى أن المولود «يُخَلِّصُ شَعْبَهُ من خطاياهم»، كان متجاوبًا، «فَلَمّا استَيْقَظَ يوسف من النوم، فَعَلَ كما أَمَرَهُ ملاك الربّ، وأخَذَ امْرَأتَه» (مت 1: 24). لكنه في خضمّ هذا الأمر الجلَل، لم ينطق بكلمة واحدة، بل اكتفى بالامتثال لأمر الله وطاعته في صمت.

الصمت عينه يلتزمه الإنجيل إزاء أيّ تفاصيل إضافيّة عن حياة هذا الرجل الذي نعلم أنه ومريم العذراء قدّما الطفل يسوع إلى الهيكل «عندما دَخَلَ بالصبيّ يسوعَ أَبَوَاهُ لِيَصنَعا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ الناموس»، ولكن مع الصمت هنا عن ذكر اسمه الصريح لتكون آخر إشارة إليه عند وجدان يسوع في الهيكل وهو ابن اثنتي عشرة سنة، حينما قالت أمّه: «يا بُنَيّ، لماذا فَعَلْتَ بِنَا هكذا؟ هوذا أبوكَ وأنا كُنّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْن!» (لو 2: 48). وسوى ذلك، نعلم فقط أنه كان نجّارًا، وعلى غراره كان يسوع، قبل بدء رسالته.

لم يكن القديس يوسف مرغمًا على الصمت بأمرٍ إلهي، كحال زكريّا المحكوم بالصمت لتعجبّه من إمكانيّة إنجاب طفل في سنّ الشيخوخة، بل يبدو أن القديس يوسف اختار الصمت والإصغاء الحكيم لله والثقة في تدبيره لتشكّل خياراته طريقته المميّزة في الصلاة والتعبّد والتأمّل في سرّ الله الخلاصي والاستسلام التام لمشيئته الإلهيّة.

وسط صخب العالم وضجيجه، يبرز أمامنا يوسف بصمته الداعي إلى الإصغاء لصوت الله، ويعلّمنا أن للصمت تأثيره أيضًا، فالصامت اختار أن يسمع عوض أن يتكلّم، وأن يصغي إلى قريبه وإلى الله، وأن يجنّب نفسه كثيرًا من الخطايا والذنوب لأن «كَثْرَة الكلام لا تَخْلُو من مَعْصِيَة، أمَّا الضَابِطُ شَفَتَيْهِ فَعاقِلٌ» (أم 10: 19).

الجدير بالذكر أن يوسف اسم عبريّ معناه «يزيد»، وورد تفسيره على لسان راحيل زوجة يعقوب حينما ولدت ابنها «وَدَعَتِ اسْمَهُ «يُوسُفَ» قَائِلَةً: يَزِيدُنِي الربُّ ابْنًا آخَرَ» (تك 30: 24).