أربيل, الجمعة 27 يناير، 2023
في خضمّ الحروب والنزاعات والاضطرابات، يغرق البعض في المأساة ويفقد إيمانه ورجاءه، ويولد البعض الآخر من رحم المعاناة إنسانًا جديدًا، ابنًا حقيقيًّا لله. هكذا كانت تجربة كيارا لوبيك في الحرب العالميّة الثانية إذ كانت مصدر إلهام لهذه الشابة الكاثوليكيّة ورفيقاتها اللواتي اخترنَ أن يكون الإنجيل، كلمة الحياة، سلاحهن لمحاربة المآسي التي خلّفتها الحرب، ولا سيّما بعدما أدركنَ أن كل شيء زائل وأن الله هو الوحيد الذي تعجز الحرب عن تدميره، فاخترنه مثالًا لحياتهن.
نار المحبّة وعمل مريم
جعلت كيارا من الآية «يا أبتِ، ليكونوا بأجمعهم واحدًا» (يو 17: 11) شعارًا لمسيرة حياتها التي قرّرت أن تكرّسها لله وللقريب حينما أسّست حركة الفوكولاري في العام 1943.
كلمة فوكولاري تعني بالإيطاليّة «البيت» أو «الموقد» الذي تضطرم فيه النار، وقصد مؤسّسوها بها «نار المحبّة»، لكن الاسم الرسمي للحركة في الكنيسة هو «عمل مريم»، أمّ جميع المؤمنين.
وغدت كيارا من رائدات حركة تجديد الكنيسة المرافقة للمجمع الفاتيكاني الثاني، وتركّز عمل الفوكولاري في الحوار المسكوني بين الكنائس والديانات، علمًا بأنّ أعضاءها ليسوا بأجمعهم من الكاثوليك إذ ينتمون إلى كنائس وديانات متنوّعة.
شعرت كيارا بالميل إلى التكرّس لله إبّان الحرب العالميّة الثانية، فابتكرت أسلوبَ حياةٍ مكرّسة مختلفًا عن الرهبانيّة التقليديّة في الكنيسة وهو المعروف بالتكرّس العلماني لله ضمن جماعات تعيش المحبّة وتقوم بعمل مريم، أمّ المؤمنين وأم الكنيسة، لأنها الوحيدة القادرة على احتضان الجميع سواء أكانوا صغارًا أم كبارًا، مكرّسين أم متزوّجين، علمانيين أو كهنة ورهبانًا وأساقفة.
واجهت الحركة صعوبات في بداية انطلاقتها إلى حين اعتراف البابا بولس السادس، بعد مقابلة خاصّة مع كيارا في العام 1964، بعمل الله في تلك الحركة المرتكزة على المحبّة وبكونها ذات هيكليّة جريئة ليتواصل لاحقًا دعم الكنيسة في خلال حبريّة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي لطالما رأى في الفوكولاري الصورة المعبّرة عن كنيسة المجمع الفاتيكاني الثاني الناطقة بجذريّة المحبّة، واستمر الدعم في حبريّة البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر والبابا الحالي فرنسيس.
حركة الفوكولاري في العراق
في حديث خاصّ إلى «آسي مينا»، تناولت إيميلي صنا، مسؤولة حركة الفوكولاري في العراق، انطلاقة «عمل مريم» في البلاد، قائلة: «منذ العام 1989، تكرّرت زيارات مكرّسين ومكرّسات من مختلف بلدان العالم إلى العراق، وشرعوا في تنظيم عدد من النشاطات التي أوضحت روحانيّة الحركة للمجتمع المحلّي، فبدأت مجموعات محلّية صغيرة بعيش هذه الروحانيّة».
وأضافت: «بحلول العام 1999، كانت الحركة قد فتحت بيتها الأوّل في العراق لتكون في خدمة أبناء الكنيسة وتحت رعايتها».
وأشارت إلى أن أهمّ الميزات في بيوت الفوكولاري يكمن في أن المكرّسين والمكرّسات يتحدّرون من بلدان مختلفة ويعيشون الغنى الذي يضفيه هذا التنوّع، مردفة: لا يوجد اليوم سوى بيت واحد لمكرّسات الفوكولاري في عنكاوا بأربيل شمالي العراق، وقد انتقل إليها من بغداد بعد تردّي الأوضاع الأمنيّة، مطلع الألفيّة الجديدة.
وعن اللقاءات التي تنظّمها الفوكولاري في عنكاوا، أكدت صنا: «هناك نشاطات ولقاءات عدّة تتنوّع بين الأسبوعيّة والشهريّة والسنويّة، ضمن مجموعات مقسّمة إلى أطفال وشباب وناضجين، ترتكز على عيش معاني الإنجيل بين الأفراد والعائلات الصديقة. اللقاء الشهري يُعدّ الأكثر تميّزًا ويُسمّى «كلمة الحياة»، وهو مفتوح أمام جميع الفئات، ويتمّ في خلاله تسليط الضوء على آية من الإنجيل ليحاول الجميع عيشها في غضون شهر، وتبادُل الخبرات حول كيفيّة عيش هذه الآية في اللقاء التالي. ويجتمع أعضاء الحركة في لقاءٍ سنويّ يُسمّى «ماريا بولي (مدينة مريم)» الذي يتواصل على مدى ثلاثة أيّام، متضمّنًا فعاليّات ولقاءات تهدف إلى التنشئة الروحيّة والإنسانيّة للأعضاء من مختلف الكنائس والأديان».
يُذكر أن الرئيسة الحاليّة لحركة الفوكولاري هي مارغريت كرّام المنتخبة في العام 2021 لتتولّى الرئاسة على مدى ستّ سنوات، وسبق أن تولّت ماريا فوشي الرئاسة لدورتَيْن. وينبغي أن تكون الرئيسة امرأة، بحسب النظام الداخلي.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته