حلب, الثلاثاء 13 ديسمبر، 2022
هل يستمرّ الوجود المسيحي في سوريا؟ وكيف نستطيع تقوية إيمان المسيحيين الباقين هنا؟ وما السبيل لنبثّ فيهم الرجاء المسيحي؟ هذه التساؤلات وسواها طرحتها «آسي مينا» في مقابلة حصريّة أجرتها مع رئيس أساقفة حلب للموارنة المطران يوسف طوبجي في مطرانيّة حلب المارونيّة. وتمّ التطرّق في سياق المقابلة إلى وضع المسيحيين في محافظة حلب خصوصًا وإلى العقوبات الاقتصاديّة الخانقة المفروضة على الشعب السوري.
أكد المطران طوبجي في حديثه أن تلك الأسئلة صعبة، وأن إيجاد إجابات مقنعة لها ليس أمرًا سهلًا، لافتًا إلى أن المسيحيين يعيشون كل يوم بيومه، متّبعين مبدأ «أعطِنا خبزنا كفاف يومنا»، وليس المقصود هنا الخبز المادي فحسب، بل تسليم الذات لله كل يوم، فهو السيّد والربّ والإله، ويملك بيده مفاتيح الحياة والموت، هو سيّد التاريخ ومُحِبّ البشر، هو الذي يعطي النعمة لحمل الصليب اليومي.
وقال طوبجي: «إن الوضع في سوريا اليوم في تراجع دائم، على المستوى الاقتصادي خصوصًا. فهناك تضخّم كبير في الأسعار إذ يمكن الآن ضرب سعر أيّ شيء بـ120 مرّة نسبةً إلى أسعار ما قبل الحرب. وأكثر من 90% من الشعب السوري أضحى اليوم تحت خط الفقر تبعًا لإحصاءات الأمم المتحدة، ولسان حال الناس اليوم هو أن الوضع كان أفضل عندما كانت القذائف تتساقط علينا!».
العقوبات الاقتصاديّة تستهدف الشعب بكامله
في سياق متصل، أشار المطران طوبجي إلى أسباب الوضع المجتمعي المتردّي في سوريا عمومًا وحلب خصوصًا، موضحًا أن «كل ذلك يعود إلى العقوبات الاقتصاديّة المُجرمة التي فرضتها دولٌ في الغرب على شعبنا، ويكذب من يقول إن هذه العقوبات تستهدف فئة معيّنة».
ودعا طوبجي كل من يريد التأكد من نتائج العقوبات إلى تجربة عيش بضع ساعات في سوريا كي يميّز الكذب من الصدق. وأبدى أسفه لأن تأثير العقوبات يطال المساعدات الإنسانيّة أيضًا، قائلًا: «في حال سُمِحَ بتحويل الأموال لتأمين هذه المساعدات، تكون مسيّسة».
وأضاف: «إن هذه العقوبات تقتل الشعب الذي لا يريد أساسًا أيّ حرب ولا أيّ مشاكل أخرى. لكن باعتبار أن سوريا بلد غنيّ بالموارد الطبيعيّة، فالجميع يريدون أن يأكلوه، فيما الشعب يُتْرَكُ بلا حول ولا قوّة. هكذا يُسْرَقُ النفط والغاز والقمح من بلدنا، ويُحْرَمُ الشعب منه بحجّة الديمقراطيّة والحرّية وحقوق الإنسان. هذه التعابير المصطنعة أصبحت كلها بلا معنى أمام الشرّ المُتكالِب على بلدنا».
وفي ما يتعلّق بالتيار الكهربائي، قال: «للأسباب السابقة، نُحْرَمُ منه لننعم به 4 ساعات في اليوم، ونُحْرَمُ أيضًا من البنزين. الشوارع الآن شبه فارغة بسبب شحّ البنزين والمازوت في الشتاء. لكن التأثير الأكبر لشحّ المواد النفطيّة يتمثّل في غلاء النقل وارتفاع كلفة الزراعة التي تعتمد على الوقود لضخّ المياه».
وتوجّه طوبجي إلى كل مسؤول عن تلك العقوبات، قائلًا: «أسأل من يعاقبنا: هل تستطيع العيش بلا تدفئة أو العيش بـ18 دولارًا أميركيًّا في الشهر على غرار الموظّف؟».
حال مسيحيي سوريا وآفة هجرة الشباب
أمّا عن حال المسيحيين، فقال المطران طوبجي: «لن أكرّر سرد المعاناة، فحالهم كحال جميع المواطنين. كما أن هناك تناقصًا في تعدادهم بسبب الهجرة، خاصّةً هجرة المتموّلين والعقول والكفاءات والشباب. فالهجرة أضحت حلم غالبيّة الشبيبة، وهذا ما جعلنا نطرح أسئلة مصيريّة على ذاتنا: هل سيستمرّ الوجود المسيحي في سوريا؟ وإلى متى؟ كيف نستطيع أن نقوّي إيمان المسيحيين الموجودين هنا؟ هنا يأتي دورنا الذي نسعى جاهدين من خلال عملنا الراعوي لتثبيته في قلوب المؤمنين، ومن خلال عملنا الرسولي الذي نؤدّيه في المجتمع لإظهار وجه الله المُحِبّ».
وتابع: «لذلك، ما زلنا نمارس حياتنا الرعويّة بكل ما أوتينا من قوّة عبر التعليم المسيحي والحركات الرسوليّة ونشاطات الأطفال والشبيبة والعائلات والأخويّات والمدارس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة والمخيّمات الصيفيّة، إضافةً إلى إعادة إعمار ما تهدّم من بيوت وكنائس، وأخصّ بالذكر "خدمة المحبّة" المتمثّلة بمساعدات طبّية ومدرسيّة وإيجارات ودعم مشاريع صغيرة. ويبقى إيماننا ثابتًا بأن الله لم ولن يتركنا، لكنه يسمح بأن تقوى عضلاتنا الروحيّة بحمل الصليب لنصل إلى القداسة، وهذا هو رجاؤنا المسيحي».
في نهاية اللقاء، أعرب المطران طوبجي عن شكره لجميع إخوتنا المسيحيين في بلدان العالم، قائلًا: «لولا دعمهم لنا، لما كنّا استطعنا أن نبقى واقفين، والشكر أيضًا لوكالتكم الكريمة «آسي مينا» لنقلها صوت الحقّ».
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته