بغداد, الخميس 1 ديسمبر، 2022
أجرت وكالة «آسي مينا» الإخباريّة لقاءً حصريًّا مع بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاردينال لويس روفائيل ساكو في المقرّ البطريركي في العاصمة العراقيّة بغداد للحديث عن أبرز التحدّيات التي تواجهها الكنيسة في خضمّ الصراع السياسي والتهميش المتعمّد للمسيحيين. وتمّ التطرّق في سياق المقابلة إلى المسيرة السينودسيّة التي تعمل عليها الكنيسة الكلدانيّة وإلى الدور الكنسي في حياة المؤمنين في ظلّ التحدّيات الجديدة والصراعات الداخليّة.
وتناول الكاردينال ساكو في خلال الحوار الكثير من المواضيع المهمّة والمخاطر المستجدّة التي تواجه الوجود المسيحي في العراق، منها النظام السياسي الجديد والجهات السياسيّة الساعية إلى إقصاء المكوّن المسيحي من العمليّة السياسيّة عبر فرض شخصيّات تُدْعَى مسيحيّة لكنّها في الواقع بعيدة كل البعد عن الكنيسة وتطمح إلى السلطة الدنيويّة ولا تمّت للمسيحيين بأيّ صلة.
لا تمثيلَ حقيقيًّا للمسيحيين في العراق
أكد الكاردينال ساكو عبر «آسي مينا» أن التمثيل المسيحي في البلاد ليس موجودًا على أرض الواقع، مشيرًا إلى أنه بات في أيدي أشخاص يتبعون أجندات خاصّة للأحزاب المسيطرة على الوضع السياسي في العراق، ومعربًا عن أسفه حيال هذا الوضع وأيضًا لوجود بعض الشخصيّات السياسيّة التي تتبع «الحشد»، وهو الجناح العسكري لأحد التيّارات الشيعيّة.
وقال ساكو: «هناك سياسي مسيحي يعتبر أن الحشد هو من الله، كيف يمكن أن يكون الحشد الشيعي كذلك؟ هذا عيبٌ ويشوّه المسيحيّة».
وفي السياق نفسه، تطرّق إلى لجوء بعض الأحزاب الكرديّة إلى شراء أصوات الكوتا المخصّصة للمكوّن المسيحي، فأردف: «نتمنّى إلغاء الكوتا. يجب أن يفوز كل نائب بأصوات المواطنين الذين ينتخبونه بلا ضغط أو ترغيب بالمال أو ترهيب. يجب أن يُمَثَّل الجميع، ومن بينهم المسيحيّون. وحصر التمثيل بالمسيحيين يُعتبر أيضًا طائفيّة».
وبالحديث عن وضع بعض المسيحيين في الدوائر الرسميّة للدولة، أعرب الكاردينال ساكو عن أسفه حيال تصرّف بعض الأحزاب التي تُجبر الموظّفين المسيحيين على التخلّي عن وظائفهم الحكوميّة، عملًا بمبدأ المحاصصة وبحجّة أن المناصب تُوَزَّعُ على الأحزاب التي تتحلّى بنفوذ أقوى وتفرض أفرادًا ينتمون إليها لشغل مناصب في الوزارات والدوائر.
أمّا بالنسبة إلى دور الحكومة العراقيّة في الاستماع إلى رأي الكنيسة التي تطالب بحلّ المشاكل المأساويّة التي يواجهها المسيحيّون في البلاد، فعبّر ساكو عن خيبة أمله، لافتًا إلى أن الحكومة والأحزاب المهيمنة لا تستمع إلى رأي الكنيسة ولا الى المرجعيّة الشيعيّة في البلاد، في مقابل تأكيد الأخيرة عدم سيطرتها على تصرّفات الأحزاب السياسيّة في العراق.
تجاوزات تطال أملاك الكنيسة والمسيحيين
في ما يتعلّق بالتجاوزات التي طالت بيوت المسيحيين وممتلكاتهم، قال الكاردينال ساكو إن أكثر من 1150 من البيوت التي يملكها مسيحيّون قد سيطرت عليها جماعات مسلّحة تتبع الأحزاب السياسيّة، كما تمّ الاستيلاء على عقارات وممتلكات تعود إلى الكنيسة. وحتى الآن، لم تتحرّك الجهات المسؤولة لإرجاعها إلى أصحابها. وبخصوص مجمّع مريم العذراء الذي يضمّ عددًا كبيرًا من العائلات الفقيرة والنازحين المسيحيين، قال ساكو إن الحكومة العراقيّة لا تولي الموضوع أهمّية وإن الكنيسة الكلدانيّة وفّرت من جهتها أكثر من 20 شقّة في حال جرى التخلّي عن تلك العائلات. كما طالب بأن يتحرّك القادة الكنسيّون من الكنائس الشقيقة للمساعدة بإيجاد حلّ لإيواء العائلات في أقرب وقت.
دور الحكومة العراقيّة في إيواء النازحين المسيحيين
أمّا عن دور الدولة العراقيّة في معالجة أزمة النازحين المسيحيين، فتحدّث الكاردينال ساكو عن الدور البطولي للكنيسة، بمساعدة المنظّمات الكاثوليكيّة الدوليّة، في احتواء هذه الأزمة، في ظلّ غياب المساعدة من الدولة العراقيّة بحجّة عدم توفّر الإمكانات المطلوبة. وبذلك، انفردت الكنيسة في تأمين الدعم اللازم للمسيحيين في الأوقات الصعبة التي مرّوا بها.
وهذا البلد الذي يشكّل موطنًا لأكثر من مليون ونصف مليون مواطن مسيحي بات اليوم يشهد هجرة يوميّة لأبناء هذا المكوّن الأصيل. وتواجه الكنيسة اليوم خطرًا حقيقيًّا يتمثّل بزوال المكوّن المسيحي في العراق. وهناك ما يقارب 20 عائلة مسيحيّة تترك العراق شهريًّا... وإذا لم يتغيّر الوضع ولم يلقَ المسيحيّون احتضانًا من الدولة ومن الغالبيّة المسلمة في هذا البلد، فإنّه سيفرغ من أبنائه وسيشكّل ذلك كارثة حقيقيّة للمسيحيين!
المسيرة السينودسيّة والتجديد
بالحديث عن المسيرة السينودسيّة، تمّ التطرّق ضمن اللقاء إلى الخطوات التي تخطوها الكنيسة الكلدانيّة نحو هذه المسيرة.
في هذا السياق، تكلّم رئيس الكنيسة الكلدانيّة عن التغييرات التي حصلت في الكنيسة المحلّية، ومن بينها التغيير الذي أحدثته من حيث التجديد في المجالات اللاهوتيّة والطقسيّة والقانونيّة كي تتماشى مع متطلّبات العصر. كما دعا البطريرك الكلداني القادة المسلمين إلى العمل على مسيرة سينودسيّة في الإسلام لتغيير التراث التقليدي الذي عفا عليه الزمن، قائلًا إنه يجب أن يجري العمل أيضًا على التجديد في الإسلام والخطاب الديني، أسوةً بعمل الكنيسة الكاثوليكيّة، فإذا لم يحصل عمل جدّي من الجهات الدينيّة، لن يكون هناك مستقبل للتعايش بين المسيحيين والمسلمين.
زواج المثليين في مفهوم الكنيسة
بالنسبة إلى خروج بعض الكنائس عن الجوهر والغرض الحقيقي للمسيرة السينودسيّة، شدّد الكاردينال ساكو على أن الهدف الحقيقي يتمثّل في كيفيّة تفعيل دور المؤمنين ومشاركتهم في حياة الكنيسة الكاثوليكيّة، ودور المرأة في العمل الكنسي، مشيرًا إلى وجوب أن يكون للكنيسة حضور فعليّ ودور فعّال في حياة كل مؤمن.
وفي ما خصّ زواج المثليين، قال الكاردينال ساكو إن «الكنيسة تحترم الإنسان لكنّها لا تقبل الزواج الذي يأتي خارج مفهوم الرجل والمرأة»، مشدّدًا على ضرورة ألّا تحيد الكنيسة عن هذا المعتقد. وأوضح أن الكنيسة تؤدّي دور الأمّ، عبر احتضان جميع أبنائها وبناتها من المؤمنين ورعاية توجّهاتهم، وأن دورها يتمثّل في مرافقتهم ومساعدتهم للبقاء على الإيمان القويم وإرشادهم بالصورة الصحيحة حسب الإيمان المسيحي، مذكّرًا بأن الله في المفهوم المسيحي هو «رحمة ومحبّة».
في نهاية اللقاء، أعرب الكاردينال ساكو عن رغبته في توحيد موقف الكنيسة كي يكون أعضاؤها يدًا واحدة ويتّحدوا في مطالبهم أمام الدولة التي تتعامل مع المسيحيين كأنّهم مواطنون من الدرجة الثانية. كما دعا إلى قيام دولة عراقيّة مدنيّة على مبدأ المواطنة وليس الانتماء الديني، داعيًا إلى إلغاء أيّ إشارة إلى الدين في الوثائق الرسميّة في البلاد.
(Story continues below)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآن
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته