واشنطن, الأحد 13 نوفمبر، 2022
الصراعات الزمنيّة المتعلّقة بالإجهاض ستكون حاضرة بيننا دائمًا، وبعد انتخابات منتصف الولاية الرئاسيّة الأميركيّة التي كانت مخيّبة للآمال، نحتاج إلى مضاعفة جهودنا لتغيير قلوب الناس.
من منظور مؤيّد للحقّ في الحياة، لا يمكن إنكار أن نتائج انتخابات منتصف الولاية مخيّبة جدًّا للآمال في ما يتعلّق بمسألة الإجهاض. بالنسبة إلى الكاثوليك، هذه النتيجة السياسيّة ليست سببًا لليأس، بل إنّها اختبارٌ للواقع.
تسلّط هذه اللحظة الضوء على أمرٍ عرفناه منذ شهور. القرار الصادر عن المحكمة العليا الأميركيّة في «قضيّة دوبس» لم يؤدِّ إلى تحقيق نصر دائم من أجل حماية حياة مَنْ لم يولدوا بعد. في الواقع، تُظهر انتخابات 2022 مدى التحدّي الهائل الذي يمثّله المشهد السياسي على الحركة المؤيّدة للحقّ بالحياة في بلادنا.
إن نتيجة عمليّات التصويت المتعلّقة بالإجهاض هي أكبر مثال على ذلك. لقد كرّست ولايات كاليفورنيا وميشيغان وفيرمونت الإجهاض في دساتير الولايات. وفشل ناخبو كنتاكي في تمرير تعديل على دستور الولاية يُعْلِنُ عدم وجود حقّ دستوري في الإجهاض، ورفض ناخبو ولاية مونتانا إجراءً يهدف إلى حماية الأطفال الذين يولدون أحياء بعد محاولات الإجهاض.
إن المسار المؤيّد للحقّ بالحياة سيستلزم على الدوام جهودًا تشريعيّة متجدّدة، وانتخاب مسؤولين مؤيّدين لهذا الحقّ، ويتطلّب أيضًا الوقوف في وجه القوانين الضارّة. والأهمّ من ذلك، يجب على الكاثوليك وغيرهم من المؤيّدين للحقّ في الحياة أن يتّحدوا في تحويل قلوب الكثير من الأميركيين وعقولهم وتوجيهها نحو مسألة حفظ كرامة كل طفل لم يولد بعد والتزام المجتمع حماية كل حياةٍ من الموت المبكر في الرحم عن طريق الإجهاض الاختياري. لن يكون لمس قلوب الأميركيين وعقولهم بشأن هذا الأمر أمرًا سهلًا، لكن بمرور الوقت، من الممكن والواجب تحقيق ذلك. بهذه الطريقة فقط يمكننا تحقيق انتصارات سياسيّة بمفعولٍ دائم تجعل من الإجهاض القانوني أمرًا غير وارد. حتى ذلك الحين، ستتواصل النضالات السياسيّة المتعلّقة بمسألة الإجهاض في المستقبل المنظور.
لم يمنع «دوبس» الكونغرس المؤيّد للإجهاض من تمرير قانون وطني جديد أكثر تساهلًا مع الإجهاض. في أعقاب «دوبس» مباشرةً، كان يُتوقّع أن يدفع الناشطون المؤيّدون للإجهاض وحلفاؤهم السياسيّون نحو تعبئة واسعة النطاق لأنّ هؤلاء المتحمّسين للإجهاض يعتبرون أن استعادة الولايات الفرديّة الحقّ الديموقراطي في حظر عمليّات الإجهاض الاختياريّة أو تقييدها أمرٌ مهينٌ تمامًا. النتيجة «الديموقراطيّة» الوحيدة التي سيقبلها هؤلاء المتطرّفون هي الفرض الدائم لنظام يُقنّن الإجهاض حسب الطلب.
على مدى الأشهر الستّة التالية، كانت الأكاذيب الصارخة والتحريفات هي السمات المميّزة التي لا تُمْحَى لنشاط اللوبي المؤيّد للإجهاض، كما كان عليه الحال دائمًا. ووفقًا لهذا اللوبي، فإن قوانين الولاية التي تحظّر الإجهاض أو التي تقيّده بشدّة ستمنع النساء اللاتي يعانين من الحمل خارج الرحم وغيرها من المضاعفات التي تهدّد الحياة من الحصول على الرعاية الطبّية المنقذة للحياة التي قد يحتجنَ إليها، إذا كانت هذه الرعاية ستؤدّي أيضًا إلى وفاة لا مفرّ منها لأطفالهنّ الذين لم يولدوا بعد.
وهذا خطأ قطعًا. ففي مرحلة ما بعد «دوبس»، لم تحظّر الولايات المؤيّدة للحقّ بالحياة أو تُقيّد توفير هذه العلاجات على الإطلاق. وليس هناك من سبب يجعلها تفعل ذلك إطلاقًا، بالنظر إلى أن توفير هذه الرعاية الطبّية للأمّ لا يمثّل عمليّة إجهاض اختياريّة. الهدف هنا هو إنقاذ حياة الأمّ، وليس قتل الطفل في رحمها.
ولكن على الرغم من أن هذه الادعاءات خاطئة، فقد كان لها تأثيرٌ كبير على الناخبين، خاصّة في ضوء واقع أن ثمّة منافذ إخباريّة علمانيّة عدّة تنشر أحاديث لوبي الإجهاض من دون أن تطرح تساؤلات حولها أو أنّها تكتفي بطرح القليل منها. في الواقع، ساهمت هذه التحريفات الإعلاميّة، بلا شكّ وبشكل مباشر، في هزيمة التيّار المؤيّد للحقّ في الحياة في كل الإجراءات الخمسة المتعلّقة بالإجهاض والتي جرى التصويت عليها.
وأحد الأمثلة البارزة على المعالجة الإعلاميّة الأحاديّة يتعلّق بالاستفتاء في مونتانا الذي سعى إلى الاعتراف بالشخصيّة الاعتباريّة لطفل نجا من الإجهاض، وإلى مطالبة الأطبّاء بتوفير الرعاية الطبّية للأطفال الأحياء أمثاله.
منذ صدور قانون «دوبس»، تعاونت وسائل إعلام في نشر زيفٍ آخر لجماعات الضغط، ربّما يكون أكثر تأثيرًا في مجال الإجهاض، ويتمثّل في الكذبة القائلة إن معظم الأميركيين متّحدون في دعم إعادة وضع إطار للإجهاض المتساهل الذي كان ساريًا قبل سقوط «رو».
كل هذا يوضح أن التعليم لا يزال مهمّة حاسمة للحركة المؤيّدة للحياة في هذه اللحظة. الخطوة الأولى هنا هي كشف أكاذيب لوبي الإجهاض على ضوء الحقيقة.
لكن هذه ليست سوى البداية. الحقيقة المحزنة هي أن غالبيّة الأميركيين تؤيّد إمكانيّة الإجهاض في خلال المراحل المبكرة من حياة الطفل الذي لم يولد بعد، على الرغم من معارضة الإجهاض في الأسابيع الأخيرة من الحمل. وللأسف أيضًا، يعتقد هؤلاء الناخبون عمومًا أن منع عمليّات الإجهاض في خلال هذه الفترة يضرّ بالنساء أكثر ممّا يساعدهنّ.
ليس مستغربًا أن يكون الأميركيّون الأصغر سنًا معرّضين بشكل خاصّ لهذه الادّعاءات، نظرًا لسيلٍ أحادي من المعلومات المؤيّدة للإجهاض التي وجّهتها لهم وسائل الإعلام الإخباريّة والترفيهيّة طوال حياتهم. من الضروري تزويد شباب أمّتنا (كذلك الأجيال الأكبر سنًّا بالطبع) بروايات بديلة تؤكد الحقّ بالحياة، ويتمّ التعبير عنها بذكاء وإبداع في كل فرصة متاحة.
ينبغي ألّا يحدث هذا الأمر على مستوى وسائل الإعلام فحسب بل في المؤسّسات الاجتماعيّة الكبرى الأخرى أيضًا. يمكننا جميعًا أن نلعب دورًا في نقل رسالة الحقيقة هذه إلى أولئك الذين نلتقي بهم في حياتنا، كلّما سنحت الفرصة، بل من الضروري أن يضاعف المؤيّدون للحقّ في الحياة جهودهم الشاملة لدعم النساء والأسر، خاصّة للّواتي يعانين أزمات في الحمل. لا شيء يمكن أن يكون أكثر إقناعًا من تقديم خدمة الحبّ هذه للأرواح الضعيفة. إيماننا الكاثوليكي لا يقبل بأقلّ من ذلك. بِوَصْفِنَا أتباع يسوع، يجب أن نكون حريصين على الاقتداء بمثاله في التضحية الذاتيّة في ما يتعلّق بهذه الحاجة البالغة الأهمية.
بالعودة إلى الساحة السياسيّة، من المهمّ ملاحظة أن نتائج انتخابات منتصف الولاية لم تكن بأيّ حال من الأحوال سلبيّةً تمامًا، ففي حين أن الحزب الذي سيُهَيْمِنُ على مجلس الشيوخ لم يُحْسَمْ أمره بعد، يبدو أن الحزب الجمهوري على وشك السيطرة على مجلس النوّاب. وإذا تحقّق هذا الأمر، يعني أن الرئيس بايدن سيُحْرَمُ من أيّ فرصة لتنفيذ وعده بالدفع قُدُمًا باتّجاه تشريع يُقنّن الإجهاض حسب الطلب على المستوى الوطني.
من المهمّ جدًّا أيضًا أن نلاحظ أن بعض السياسيين الذين دافعوا عن قضيّة الحقّ بالحياة قد حقّقوا نجاحات في انتخابات منتصف الولاية. وكان الحكّام الجمهوريّون رون ديسانتيس عن فلوريدا، ومايك دي واين عن أوهايو، وبريان كيمب عن جورجيا، وغريغ أبوت عن تكساس، قد وقّعوا تشريعات مؤيّدة للحقّ في الحياة لتحويلها إلى قوانين، وحقّقوا جميعًا انتصاراتٍ حاسمة في الانتخابات. وهذا يثبت أن النجاح السياسي يظلّ قابلًا للتحقيق عندما لا يُخْفِي المرشّحون المؤيّدون للحقّ بالحياة قناعاتهم ويلفتون الانتباه إلى تطرّف تأييد الإجهاض لدى خصومهم.
الحركة المؤيّدة للحياة لديها عملٌ محدّد لكن الأمر سيتطلّب حماسة سلميّة وصلاة في كل ولاية ومقاطعة، وخاصّةً في قاعات الكونغرس. هذا ليس وقت فقدان الإيمان أو الثقة بقضيّتنا وبالتزامنا تجاه الأجِنَّةِ وأمّهاتهم.
كل انتخابات مهمّة. والعام 2022 لم يكن مختلفًا. لكننا نعلم أيضًا أن آمالنا، نحن الكاثوليك، لا تعتمد على لحظاتٍ عابرة في السياسة.
بدلًا من ذلك، نعلن بجرأة إيماننا بيسوع المسيح، ونسعى إلى تحويل زماننا وثقافتنا من خلال الإنجيل.
دعونا نواصل الصلاة على نيّة قادتنا المنتخبين حديثًا حتى يسترشدوا بالحكمة والعدالة الحقيقيّة والتفاني من أجل الصالح العام للأمّة.
بارككم الله!
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته