حلب, الخميس 27 أكتوبر، 2022
في الذكرى العاشرة لاستشهادها، روى الأب السوري المسيحي كلود زرز لـ«آسي مينا» قصّة ابنته الشابّة باسكال التي انتقلت إلى أحضان الآب السماوي في ريعان شبابها بعدما بلغت الثامنة عشرة من عمرها. ففي طريق عودتها إلى حضن عائلتها في محافظة حلب، مسقط رأسها، أطلق مسلّحون إرهابيّون النار على الحافلة التي استقلّتها ما أدّى إلى استشهادها.
استشهدت الشابّة باسكال زرز في العام 2012 في خلال الحرب السوريّة، وهي من مواليد العام 1994 وتتحدّر من عائلة مسيحيّة مؤلّفة من 5 أفراد: والدها كلود البالغ من العمر 74 عامًا، ووالدتها ربّة المنزل وشقيقاها الشابّان اللذان يعيشان في مدينة حلب. وحضر جنازتها التي أُقيمت في كنيسة القديسة تريزيا الطفل يسوع لفيفٌ من المطارنة من مختلف الطوائف في حلب، بمشاركة أصدقاء مسلمين أتوا من الريف الحلبي.
لم يحتمل أفراد عائلتها الخبر المفجع والظالم بحقّ ابنتهم والذي لا يقلّ قسوةً عن الظلم الذي تعرّض له أبناء سوريا في خلال الأزمة التي امتدّت أكثر من عشرة أعوام.
العطاء المجّاني في حياة باسكال
كان كلود محاضرًا يتولّى مسؤوليّة المجموعات السياحيّة الفرنسيّة ونشاطات القنصليّة الفرنسيّة في حلب. أمّا ابنته باسكال التي كانت عروسًا جديدة عند وفاتها، فكانت مولعةً بأعمال الخدمة الكنسيّة وأسّست جوقة كورال لكنيسة القديسة تريزيا في حلب بالتعاون مع الكاهنَيْن بسام آشجي وجوزيف كتات. كما ألّفت ولحّنت وعزفت الكثير من التراتيل الدينيّة، على رأسها ترتيلة بعنوان «قلبي صغير» التي كانت بمثابة رسالة وداع لعائلتها وبلدها الحبيب سوريا.
أحبّت باسكال الفقراء ووهبت مرارًا مصروفها لشراء الحليب لأطفال محتاجين، كما أرسلت مبلغًا من المال لصبيّة محرومة من الحنان والمال بسبب ظروف معيشيّة صعبة فُرِضَتْ عليها.
انتقال عائلة باسكال إلى فرنسا
تزامنًا مع عيد ميلاد المسيح في العام 2013، غادر كلود وعائلته حلب متوجّهين إلى لبنان، وانتظروا فيه ثلاثة أسابيع ليحصلوا على تأشيرة تُتيح لهم السفر إلى فرنسا. لكن ذلك كان بمثابة معجزة في ذلك الوقت لأنّ الحرب السوريّة كانت في أشدّها وفرص السفر معدومة لجميع السكان. وشرح كلود أنّ مغادرة البلاد بعد فقدانه ابنته باسكال والصراع الذي عاشته العائلة جَعَلا قرار ترك البلاد مفروضًا عليهم، قائلًا: «غادرنا بلدنا لإنقاذ أولادنا، لكن باسكال هي التي أنقذتنا بشفاعتها وفتحت لنا باب الوصول إلى فرنسا».
رسالة سلام تحملها عائلة باسكال
يحمل كلود صورة أُمّنا مريم العذراء وابنته باسكال معه أينما ذهب، خاصّةً عندما يُطلب منه الإدلاء بشهادته والحديث عن حضور الربّ في ما حدث من وقائع مؤلمة في حياة عائلته المسيحيّة، فقد ألقى عشرات المحاضرات في الدول الأوروبيّة، ومنها شهادته في الأمم المتحدة في جنيف، حيث قال: «أنا عربي لكنني لستُ مسلمًا. أنا مسيحي لكنني لستُ لاتينيًّا».
وأكمل: «إنّ البعض يشعرون بالاستياء تجاه المسلمين الذين شنّوا تلك الهجمات. لكن، يجب عدم تعميم هذه الأفكار، فقد يكون هناك مسيحيّون سيّئون ومسلمون صالحون أو العكس. أنا رسول سلام»، لكن ما جرى في سوريا جعل المسيحيّين المؤمنين يتحوّلون إلى أقليات، الأمر الذي قد يؤدّي إلى انقراض مسيحيي سوريا، ما يشكّل خطرًا على التقارب المسيحي-الإسلامي الذي تتميّز به البلاد. وأردف: «أدعو الناس ليكونوا أكثر اتّحادًا وفهمًا»، مستشهدًا بقول البابا يوحنا بولس الثاني: «إن الكنيسة تمتلك رئتَيْن وقلبًا واحدًا: الكنيسة الغربيّة ومسيحيّو الشرق، وإذا مرضت رئة الشرق، سيصل المرض إلى الكنيسة الغربيّة أيضًا، فمسيحيّو الشرق هم من يعيدون لمسيحيي الغرب ألقهم ونورهم».
وأوضح كلود أنّ عائلته تؤمن بقيامة المسيح وبالقيامة التي أعدّها الله لباسكال، قائلًا: «إنّ انفصالها عنّا بالجسد ليس بالأمر السهل، لكنني رأيتها مرّات عدّة تتّشح بالبياض في السماء وتُصلّي لنا. وربّنا يسوع المسيح وأمّه مريم العذراء حاضران معنا بشكل دائم».
وأكد أنّ التمرّد على الله وإلقاء اللوم عليه بسبب كلّ ما يحدث من شرور في العالم ليس حلًّا، بل إنّ تقبُّل مشيئة الله وحكمته في حياتنا وفهمَهُما يبقيان الأهمّ.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته