السبت 14 ديسمبر، 2024 تبرّع
EWTN News

غصيبة كيروز ترك رسالة تنبّأ فيها باستشهاده: «سامحوا الذين قتلوني وليكن دمي فداءً للبنان!»

خادم الله الشهيد اللبناني غصيبة كيروز/ Provided by: Father Francis Berkemeijer/Jesuits PRO

«سامحوا اللي قتلوني من كل قلبكن وطلبوا معي تيكون دمي فدية ولو كان دم خاطي عن خطيّة لبنان وقربان ممزوج بدم كل هالضحايا اللي سقطوا من كل الأطراف وكل الأديان». بهذه الكلمات المؤثرة والنابضة بالغفران، أكد الشهيد اللبناني غصيبة كيروز مسامحته قاتليه، في رسالة كتبها قبل استشهاده.

غصيبة كيروز في سطور

وُلِدَ غصيبة في العام 1950 في بلدة نبحا (البقاع الشمالي اللبناني)، وترعرع في كنف أسرة مؤمنة ومتواضعة، فربّاه عيد طنوس كيروز ورجا كيروز على مبادئ المسيحيّة.

في العام 1962، انتقل إلى بيروت، بعد إنهائه دراسته الابتدائيّة، وتعلّم النجارة، ومارسها.

بين 1969 و1974، اهتمّ بالتعليم المسيحي في نبحا وبلدات دير الأحمر، وصولًا إلى دورس وحوش تلّ صفيّة وحوش بردى في بعلبك والقاع.

في العام 1974، زار المدرسة الإكليريكيّة في كرم سدّة، وتعرّف على كهنة «البرادو».

في صيف 1975، شارك في رياضة روحيّة في تعنايل من أجل تمييز دعوته الكهنوتيّة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 1975، أقام في دير تعنايل لدرس اللغتَيْن العربيّة والفرنسيّة، استعدادًا لدراسته اللاهوتيّة. ومن ثمّ، انتقل إلى سيّدة الجمهور بسبب التوتر الأمني في تعنايل.

في 23 ديسمبر/كانون الأوّل 1975، خُطِفَ واستشهد في طريق عودته إلى بلدته نبحا للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد.

في 25 ديسمبر/كانون الأوّل 1975، عُثِرَ على وصيّته في غرفته في دير سيّدة الجمهور.

غصيبة يتنبّأ باستشهاده

شعر غصيبة بأنه سينال إكليل الشهادة، فكتب قبل موته وصيّته التي عنونها «على طريق نبحا»، مدوّنًا على الظرف الذي غلّفها «من غصيبة».

إليكم أبرز ما جاء في رسالة غصيبة بالعاميّة:

«باسم الآب والابن والروح القدس، لمّا بلشت كتابة هالوصيّة كان متل كأن في شخص تاني عم يحكي عنّي، تصوّرت حالي مخطوف ومقتول بطريقي ع ضيعتي نبحا، كل الناس اليوم بخطر خصوصًا أهل لبنان، إذا صحّ هالحدس بترك كلمة لأهل بيتي وكلمة لأهل ضيعتي ووطني، بقول لأمي وخيّاتي بكل ثقة: لا تحزنوا ولا تكتروها بالبكي والنحيب لأن هالغربة مهما تطول هيي قصيرة رح نلتقي أكيد رح نلتقي بساحات السماء الأبديّة، هونيك الفرح وهونيك الحزن إذا تفرّقنا عن بعضنا، بس لا تخافوا رحمة الله رح تجمعنا سوا.

إلي عندكن طلب واحد سامحوا اللي قتلوني من كل قلبكن وطلبوا معي تيكون دمي فدية ولو كان دم خاطي عن خطيّة لبنان وقربان ممزوج بدم كل هالضحايا اللي سقطوا من كل الأطراف وكل الأديان، ثمن السلام والحبّ والألفة اللي انفقدوا من هالوطن، علّموا كل الناس هالمحبّة بموتي والله يعزّيكم ويدبّركم ويساعدكم بهالحياة. لا تخافوا: مش نادم أبدًا ولا متأسف على هالدني لكن زعلان لأنكن رح تكونوا حزينين، صلّوا، وحبّوا أعداءكم.

ولأهل وطني بقول، أهل البيت بيختلفوا بس ما بيحقدوا، بيتزاعلوا بس ما بيتخاصموا، بيتقاتلوا بس ما بيقتلوا بعضن. تذكّروا أيّام الوفق والمحبّة وكبّوا أيّام الزعل والخصام. سوا أكلنا، سوا شربنا، سوا اشتغلنا، سوا رفعنا الصلاة للإله الواحد، وسوا لازم نموت. كان بيي شريك شخص متوالي كنت عيّطلو خالي حسين وكان يرتاح قلبي لما قول هالكلمة، بقيوا شراكة 75 سنة وماتوا وما قسموا الشراكة وما عملوا حساب. تذكّروا إنو مرّات واحد خيّو ما بديّنو ميّة ليرة بيروح ع ابن ضيعتو المتوالي أو الماروني أو السنّي أو الدرزي وبيرتاح من حملو، كل هالأشياء الكل بيعرفوها بس الخطيّة بتعمي. كل واحد يرجع ويصلّي حسب معتقدو وضميرو تيرفع الغضب ومخطّطات الكبار ترمّد فوق أرض هالوطن اللي مش مجبور يدفع دمو لأجل مآربن.

بالسما رح كون تعبان لو بقيت الحالة هيك بلبنان!

وصيّة خادم الله غصيبة كيروز مدوّنة بخطّ يده (1). Provided by: Father Francis Berkemeijer/Jesuits PRO

اعملوا مأتمي يوم سيامة مش جنّاز أو حزن. بالنسبة للدفن: الخوري بطرس يقيم الذبيحة بدون كترة كهنة ونعي، ولو بيعمل التابوت بو خليل بشويّة سحاحير عتيقة بتنتعش نفسي. بلا أكل، خلّي الناس تسامحني وترحمني، بلا خرطوش وبلا طلقات، لأني تراب لكن ارتفع لدرجة الألوهيّة بقوة الله، هيك لازم يكون. خلّي هالجوقة ترتّل قد ما بتقدر، إيه هيك برتاح…

فكّرت بالجميع أنا وعم بكتب هالورقة ما نسيت حدا: رفاقي، أحبابي القراب، أصحابي. صارت تشدّني العاطفة لكلمات ما بتليق بالرجاء. عدت لقيت الكلمة المناسبة: إنن بيصلّوا من أجلي ويخافوا ويحبّوا الله.

دايمًا اذكروا الرهبان والراهبات بصلواتكن شهادة المسيح الحيّة بيناتنا على هالأرض، خصوصًا الفرنسيسكان، اليسوعيّة، آباء البرادو اللي من خلالن قدرت أعرف الله… أما شو عليي واجبات، قبل كل شي أنا خاطي… بستغفر الجميع لأني خاطي قدام الكلّ. تشجّعوا أنا الخاطي في ربوع المسيح المخلّص».

وصيّة خادم الله غصيبة كيروز مدوّنة بخطّ يده (2). Provided by: Father Francis Berkemeijer/Jesuits PRO

لقد فاضت رسالة غصيبة كيروز بالتسامح والوطنيّة في بلدٍ تحاول النزاعات الطائفيّة والسياسيّة والاجتماعيّة ثنيه عن الالتحام في بوتقة واحدة.

فضائل غصيبة كيروز

(Story continues below)

اشترك في نشرتنا الإخبارية

في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.

اشترك الآن

لطالما رغب غصيبة بأن يصبح كاهنًا، وكانت دعوة الربّ ليترك كل شيء ويتبعه تسكن قلبه على الدوام.

في تلك الحقبة، تعرّف على الأب نقولا كلويترز اليسوعي، وأخبره عن رغبته الشديدة في الالتزام بجمعيّة الآباء اليسوعيين، ورافقه إلى دير مار يعقوب في كرم سدّة لكنه لم يجد مراده هناك إلى أن تعرّف على رهبنة البرادو التي تمتاز بروح الفقر والعطف على الفقراء، وقرّر أن يصبح كاهنًا على طريقتهم، إلا أن صعوبة أخرى برزت على الصعيد الكنسي إذ لم يُقْبَل في مدرسة إكليريكيّة لعدم معرفته اللغة الفرنسيّة، فاقترح عليه الأب نقولا الذهاب إلى تعنايل لدراستها، لكنه استشهد قبل أن يبصر حلمه النور.

كان غصيبة قليل الطعام، وغير مكترث بما يرتديه. آمن بأن النفس تتقدّس بنعمة الله لا مشيئة الإنسان، وكان غيورًا على خدمة الكنيسة، ومواظبًا على زيارة العمّال الشباب في دير تعنايل ليزرع المحبّة في قلوبهم.

تميّزت علاقته مع الله بالإيمان والاتكال الوثيق عليه، وفاضت علاقته مع الإنسان بالمحبّة الصادقة والاحترام.

تجلّت أبرز فضائل غصيبة في احترام الوالدَيْن والمحبّة والسلام والتواضع والتضحية ومشاركة آلام الآخرين واحترامهم والخدمة والشهادة وجرأة الإيمان وروح النبوءة والعطاء والتعايش المسيحي-الإسلامي.

كما أزهرت حياته الرسوليّة بثلاث فضائل: جرأة إعلان الإيمان بشغف وفرح، ومسيرة رسوليّة وتبشيريّة في خلال تدريس التعليم المسيحي في البقاع الشمالي، وتبشير غير المسيحيين وصولًا إلى نيل إكليل الشهادة.

إن خادم الله غصيبة كيروز، الشهيد المسيحي الصالح الذي غفر لقاتليه، معتبرًا نفسه فداءً عن الضالين والخاطئين، هو مدرسة مهمّة في الغفران والأخوّة وبذل الذات والتمسّك بالأرض والعائلة. لذلك، نطلب شفاعته كي نسامح أعداءنا ونرتقي بحبّنا لنزرعه في دروب الآخرين المختلفين عنّا، على مثاله.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته